فاروق شوشة .. ناظر مدرسة الشعر يغلق الباب خلفه ويرحل 
  • Posted on

فاروق شوشة .. ناظر مدرسة الشعر يغلق الباب خلفه ويرحل 

عشق الشعر فعشقه، وأعطاه كل ما في وجدانه عبر دواوينه الشعرية التي غلب عليها الأسلوب الدافئ واللغة العربية العذبة السهلة التي وقع في غرامها منذ نعومة أظافره. فهو العاشق الأكبر والمدافع الأول عن كل حرف في اللغة العربية، فأحبته اللغة وساعدته أن يكون نجما لامعا في سماء الشعر والأدب، وهذا ما أجبر الجميع على الغوص في أعماق رحلته المدهشة مع الشعر. [vod_video id=" ehFwkbDWqhTaYaqyHX6Zsg" autoplay="1"] فاروق شوشة  ، شاعر مصري من طراز خاص، وُلدت ونمت فيه موهبة الكتابة والشعر، فكانت أولى محاولاته في الكتابة وهو طالب في المدرسة، والعجيب أنه كتب مسرحية، وحين عرضها على أستاذه اندهش بأسلوبه وبكل تفاصيل المسرحية، وعرضها على إدارة المدرسة التي قررت عرضها مقابل 17 جنيها حصل عليها. تعرف "شوشة" على اللغة العربية وتفاصيلها وجمالها في كُتاب القرية التي نشأ فيها "قرية الشعراء" التي سميت بهذا الاسم لأن كان فيها شعراء ربابة يتحدثون عن الأبطال الشعبيين، ولم يكن الكُتاب بالنسبة لــ"شوشة" مجرد مكان لحفظ القرآن ولكن كان له الفضل في أن يحصل على خبرة لغوية تأسيسية، أصبحت فيما بعد جزءا أساسيا من نسيج حياته والتي حددت مساره في رحلته العلمية والإبداعية، وبعد أن ترك الكُتاب بدأ يتردد على مكتبة البلدية في دمياط محل ولادته ونشأته. وبفضل فضوله وتطلعه إلى القراءة أعطى لنفسه فرصة كبيرة لصقل موهبته و للتعرف على كثير من الشعراء مثل محمود طه، وإبراهيم ناجي، وعلى الجارم، ومحمود حسن إسماعيل، حتى أنه قرأ سيرة عنترة بن شداد التي كتبها الأصمعي في عشرة أجزاء، فكان يرى "شوشة" أن الكتاب عمدة الثقافة، والصديق الذي لابد أن يرجع إليه الجميع في النهاية، وكان يؤمن أن دوره سيظل قائماً ولن يتنازل عن موقعه أبداً. وكان "فاروق شوشة " من محبي التعلم وكان يُقبل عليه في نهم وتعطش لكل جديد، فبعد أن أنهى المراحل الدراسية الأساسية في دمياط ، وجاءت مرحلة  الالتحاق بالجامعة، اختار الكلية الأقرب لقلبه، فالتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة وتخرج منها عام 1956 ، ثم أكمل دراسته وتخرج أيضا في كلية التربية جامعة عين شمس 1957، كما عمل معلماً في نفس العام وبعدها عمل في الإذاعة كمقدم ومذيع برامج وكان شغوفاً بالعمل فيها حتى تدرج في المناصب بداية من رئيساً للجنتي النصوص الغنائية والاستماع باتحاد الإذاعة والتليفزيون، وعضوا بمجلس الأمناء، وأستاذا للإلقاء والتذوق الأدبي في معهد الإذاعة والتليفزيون، بالإضافة إلى أنه تم انتخابه رئيسا لجمعية المؤلفين والملحنين، ورئيسا لاتحاد الكتاب حتى أصبح رئيسا للإذاعة في عام 1994 حتى عام 1977 ، كما يعمل أستاذا للأدب العربي بالجامعة الأميركية بالقاهرة، والأهم أنه كان الأمين العام لمجمع اللغة العربية. ولم تشغله رحلته في التعليم عن كتاباته وأشعاره، فعلى الرغم من أنه كان يعطي اهتماماً وتركيزا كبيرا لمسيرته التعليمية إلا أن عشقه للشعر كان يجعله يجد الوقت الذي يكتب فيه أشعاره التي أثرى بها الموروث الثقافي والشعري لمصر والوطن العربي، فقد بدأ في كتابة قصائد الغزل والحب عندما أحب فتاة في قريته وهي أول اهتزازة في نفسه ربما قبل أن يدخل سن المراهقة الحقيقية، وبعد التحاقه بالجامعة أصبح أكثر نضجا واتجه لكتابة القصائد الوطنية والاجتماعية، حتى أصبح له بصمته الشعرية الخاصة بعد أن توسعت مداركه وقراءته وأصبح قلمه أكثر حرية في الكتابة. وكان يدهش الجميع  في كل قصيدة، لأنه لا يمعن في البعد، ويحرص على أن يظل قريبا مأنوسا، فكان الرجل العاقل المتزن في الحياة، ولهذا كان معتبرا لدى المجددين والمحافظين معا، وهذا الاتزان في الاختيار والإبداع، جعله يفتح قلوب السامعين لما يقول، فضلا عن اهتمامه بالتراث وهو العامل الأول في انجذاب الناس لشعره، فالعربية لديه كان لها نقاء وجمال وجلال معه، فقد أمتع السمع والأفئدة بموسيقاه العربية صوتا وإنشادا، فتسربت اللغة في الآذان والأعماق، جليلة جذابة قوية، فهو كان أشبه بجهاز ناطق عربي يحمي به هذه اللغة العبقرية الضاربة في الزمان والمكان. وأثرى فاروق شوشة الموسوعة الثقافية بخمسة عشر ديوانا شعريا هي، إلى مسافرة، العيون المحترقة، لؤلؤة في القلب، في انتظار ما لا يجيء، الدائرة المحكمة، لغة من دم العاشقين، يقول الدم العربي، عشرون قصيدة حب، هئت لكِ، سيدة الماء، وقت لاقتناص الوقت، وجه أبنوسي، الجميلة تنزل إلى النهر، مختارات شعرية، وأحبك حتى البكاء. وله أربع مجموعات شعرية للأطفال بدأ في كتاباتها عندما جاءت إلى الدنيا حفيدته الأولى "حبيبة" التي كان يتابعها في النمو يوماً بيوم فعندما اهتزت قدماها لسماع الموسيقى كتب "حبيبة والموسيقى" وعندما شعرت بنشوة وفرح وهي تستحم في حوض السباحة وتعبر عن انطلاقها كتب "حبيبة والماء" وحينما حملها ونظرت من الشباك إلى القمر كتب "حبيبة والقمر"، بالإضافة إلى أعمال أخرى هي مَلَك تبدأ خطوتها، الطائر الصغير، الأمير الباسم. وأما عن مؤلفاته لغتنا الجميلة أحلى 20 قصيدة حب في الشعر العربي، أحلى 20 قصيدة في الحب الإلهي العلاج بالشعر، لغتنا الجميلة ومشكلات المعاصرة، مواجهة ثقافية، عذابات العمر الجميل وهي سيرة شعرية، وكانت أهم برامجه الإذاعية هي لغتنا الجميلة التي قدم منها 39 حلقة ليقر هذه اللغة إلى القارئ، ويبعد عن أذهان الناس فكرة أنها لغة صعبة من خلال تقديم نماذج من الشعر العربي، بالإضافة إلى الأعمال التلفزيونية وأهما أمسية ثقافية. المحطات الإبداعية التي مر عليها "شوشة" كانت مرتبطة بعدد من الجوائز القيمة التي حصل عليها تقديراً له، أولاها جائزة الدولة التشجيعية لديوان "الدائرة المحكمة" ولقي هذا الديوان حفاوة كبيرة من مؤسستين، مؤسسة الشاعر محمد حسن فقي للإبداع الشعري في عام 1994 وكنت أول من حصل عليها، ثم جائزة كفافيس عام 1991  للإبداع الشعري وهى جائزة دولية يونانية مصرية ،وبالتالي كانت هذه المنطلقات في البداية بمثابة التشجيع الحقيقي لشاعر في بداية الطريق.ثم جاءت جائزة الدولة التقديرية للآداب سنة 1997 وكان أساسها هذا الإبداع الشعري مضافا إليه النشاط الثقافي في الإعلام وفى غيره كمؤشر، وأخيرا جائزة النيل، وهى أعلى الجوائز التي تمنح لأديب في مصر. واليوم رحل أهم رواد الشعر العربي عن عالمنا بضحكته الصافية السمحة، وروحه العذبة التي تهون صعوبات الحياة، عن عمر يناهز الـ 80 عاما، وبعد رحلة طويلة وشيقة عاد مرة أخرى لمحل ميلاده ليدفن جثمانه في مقابر الشعراء بدمياط، جثمانه فارق الحياة ولكن أعماله وصوته وأشعاره باقية. الشاعر فاروق شوشة يلقي إحدى قصائده خلال أمسية شعرية بعنوان "ليلة في حب شوشة" أمسية ثقافية: فاروق شوشة مع نجيب محفوظ [vod_video id="iQwRpaEIZT4fwUMtDFX92A" autoplay="0"]