أزمة النفايات تهدد الصحة والبيئة في بلاد الأرز والحكومة لا تزال عاجزة عن إيجاد حلول
  • Posted on

أزمة النفايات تهدد الصحة والبيئة في بلاد الأرز والحكومة لا تزال عاجزة عن إيجاد حلول

منذ أكثر من شهر يواجه اللبنانيون انبعاث الروائح الكريهة وسموم الحرائق في شوارعهم وبعض أحراشهم في أزمة تهدد صحتهم وبيئتهم، فيما الحكومة اللبنانية عاجزة إلا عن التحذير على لسان بعض وزرائها من فداحة خطر هذه الأزمة.تلال من النفايات لا تزال تتربّع في شوارع عدد من المناطق وتتحدى الحكومة ، فيما الجمعيات الأهلية ترى أن الحلّ يبدأ من المنازل عبر عمليات الفرز من قبل المواطنين .بدأت الأزمة حين تمّ إقفال مطمر "الناعمة" في 17 تموز/ يوليو الماضي الذي كان يستوعب نفايات العاصمة بيروت ومختلف أقضية محافظة جبل لبنان، لعدم قدرته على الاستيعاب ، بعد أن طمر فيه قرابة 20 مليون طن من النفايات على امتداد 18 عاماً، وتوقفت شركة " سوكلين" التي كانت تقوم برفع النفايات من الشوارع عن عملها بسبب إقفال المطمر وعدم وجود مطمر بديل .ويستمر البحث حالياً عن أماكن مؤقتة لجمع ما تيسر من النفايات المتراكمة في الشوارع، ريثما تنتهي هذه الأزمة ، لا سيما في منطقة جبل لبنان، كما يستمر رمي النفايات بطريقة عشوائية ، في اماكن مضرةّ للبيئة والمياه الجوفية أحياناً ، إضافةً الى تهريب الشاحنات المحملة بالنفايات الى أكثر من منطقة، وكذلك علميات حرق القمامة في الشوارع. وقد تم تسليم العروض إلى الشركات المهتمة بمناقصات النفايات المنزلية ، وكان من المقرر أن تقوم اللجنة الوزارية المكلفة درس العروض لهذه المناقصات ، بفضّ العروض ،خلال الأسبوع الحالي لكن الأمر تأجل الى الأسبوع المقبل .وقالت أستاذة علم الاجتماع السياسي في الجامعة اللبنانية لور أبي خليل لوكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ) ،" إن أزمة النفايات لها طابع سياسي ، حيث يختلف السياسيون على اقتسام المنافع والأرباح من خلال عقود تلزيم النفايات ، ذلك أن مؤشرات الحوكمة في العالم وفي لبنان ومؤشرات الحكم الرشيد تشير الى ارتفاع درجة الفساد لدى المسؤولين الحكوميين اللبنانيين بشكل كبير ".ورأت أن الحل لهذه الأزمة "يكون من خلال تفعيل دور السلطة المحلية وخاصة دور البلديات ، وكذلك من خلال اعتماد عمليات فرز النفايات من المصدر ، بعد إرشاد وتوجيه المواطنين الى كيفية القيام بذلك ، وهكذا يتم إعادة تدوير نسبة من هذه النفايات والإفادة منها ، لكن السلطة السياسية في لبنان لا تزال ترفض أن تتولى البلديات حل أزمة النفايات ". وقالت أبي خليل " إن وزير البيئة وضع دفتر شروط صعب التنفيذ للشركات التي ترغب في التزام النفايات ، ولم يضع حلول عملية لهذه الأزمة، إضافةً الى العجز الذي تعاني منه السلطة السياسية في لبنان نتيجة الخلافات بين مكوناتها ، والسبب في ذلك يرجع الى طبيعة النظام السياسي الطائفي ".وكان وزير الصحة اللبناني وائل ابو فاعور حذّر في تصريح له منذ أيام من تجاوز الخط الأحمر حيث أصبحت صحة المواطن اللبناني على المحك، جرّاء أزمة النفايات وقال أن الأضرار كبيرة على المياه وعلى الغذاء وكذلك على الهواء و هذا الأمر " بات يشكل خطرا متماديا على صحة اللبنانيين".فيما أعلن وزير الصناعة حسين الحاج حسن في مؤتمر صحافي سابق أن من بين أسباب أزمة النفايات في لبنان " الإصرار على المحاصصة والمنافع السياسية والمالية والاحتكارية من قبل بعض الأفرقاء". و"عدم تنفيذ قرارات مجلس الوزراء وعدم وضع الخطط المقرة منذ سنوات طويلة موضع التنفيذ......".ويرى بعض الأخصائيين أنّ التدوير وإعادة التصنيع هو الحلّ الأفضل من النواحي البيئيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة للتخلُّص من النفايات ، وهو حلّ معتمد من قبل العديد من الدول التي تخطت هذه الأزمة ، كما أن اعتماد الفرز وإعادة التدوير يحفِّزان الصناعة المحليّة ويحقِّقان نمو فرص العمل.ويرى عدد من الباحثين أن هناك ضرورة لوضع سياسات وقوانين تهدف إلى زيادة نسبة التدوير ، وتطبيق برامج تربويّة ووضع حوافز اقتصاديّة للحدّ من النفايات وتطوير الفرز والتدوير والتسبيخ. حيث تتم معالجة النفايات العضوية عن طريق التسبيخ وتحويل المخلفات الى سماد. بنسب مئوية للفرز والتسبيخ تتراوح بين 30% و40% ،ويتم إحراق ما تبقى من مواد غير مضرة وقابلة للاشتعال ، ثمّ تطمر العوادم في مطامر صحية.وقالت مسؤولة التنسيق في جمعية "بلادي خضرا" ميسون قربان لوكالة الأنباء الألمانية أن المشكلة تكمن "في غياب خطط استراتيجية خاصة لحلّ مشكلة النفايات التي تهدد حياة الإنسان وصحته والبيئة ، إضافة الى الاقتصاد والموسم السياحي ، ولا يمكن وصف ذلك إلا بكونه تخلي الدولة عن مسؤولياتها في هذا المجال ".وأضافت "منذ أكثر من شهر يعاني لبنان من هذه المشكلة ، التي تتحمل مسؤوليتها الحكومة اللبنانية ، كما تتحمل مسؤولية إيجاد حلول جذرية لها وليس عشوائية أو جزئية أو ارتجالية ، بل يجب ان تكون الحلول مطابقة للمواصفات البيئية الصحيحة ، بوجود مراقبين علميين ".ورأت قربان أن الحلول "يجب أن تكون مبنية على دراسات علمية ، وليس باعتماد المطامر العشوائية بل باعتماد الفرز للنفايات ابتداء من المنزل على أن تتولى الجهة المكلفة من قبل الحكومة اللبنانية( شركات أو بلديات) إعادة تدوير وتسبيخ قسم من هذه النفايات ، أو حتى اعتماد محارق للنفايات يمكن من خلالها توليد الطاقة ، كما يحصل في العديد من بلدان العالم ".وتقوم الجمعيات الأهلية والبيئية ، بحسب قريان ،" بدور التوعية وهي جهة توجيهية ، كما تقوم ببعض المبادرات لإيجاد حلول في بعض المناطق ، ولكن الجمعيات لا تستطيع حلّ الأزمة بشكل عام بل من مسؤولية الدولة وضع خطة استراتيجية وحلّ جذري لهذه الأزمة". يذكر أنه يتم رمي نحو ثلاثة الاف طن يومياً من النفايات في محافظة بيروت وضواحيها ومعظم محافظة جبل لبنان، ونحو 1500 طن في محافظات الشمال وعكار والجنوب والنبطية والبقاع وبعلبك - الهرمل. وقالت الناشطة البيئية أليسار الزين لوكالة الأنباء الألمانية(د.ب.ا) " إن الاسباب الحقيقية لأزمة النفايات هي أزمة النظام السياسي ، فالنظام عاجز عن إدارة أي شأن بسبب انشغاله بالمحاصصات ".ورأت الزين أن "على المواطن اللبناني القيام بدوره لحل هذه الأزمة ، وهذا يبدأ من خلال فرز النفايات ابتداءً من المنزل ، حيث يمكن إعادة تدوير نسبة كبيرة من النفايات ، وهذه العملية يجب أن تتم بالتنسيق مع البلدية ".أما دور الناشطين البيئيين فيبقى ، بحسب الزين ، "دوراً فردياً ومقتصراً على اقتراحات تقدم للبلديات تحمل بوادر حلول ، أو القيام بحملات توعية للمواطنين حول أهمية فرز النفايات من المنزل وإيجابياتها وقد بدأت تجربة الفرز في مدينة بيروت منذ حوالي 5 سنوات ونجحت إلى حدّ ما ثم توقفت بسبب عدم وجود متابعة ".ودعت الزين وسائل الإعلام للقيام بدور التوعية حول أهمية الفرز ونتائجه . وبالرغم من تراكم النفايات منذ أكثر من شهر على بعض الطرقات من الساحل الى الجبل في لبنان ، في منظر مشوه ومسيء بالإضافة الى الرائحة الكريهة ، وأعمدة الدخان المتصاعدة جراء الحرق العشوائي يأمل اللبنانيون أن تعمل الحكومة اللبنانية على حلّ هذه الأزمة بأسرع وقت ممكن ، رغم تعثر عملها وشللها.